الخميس، مايو ٣٠، ٢٠١٣

الزمن

لم أكن قد رأيته منذ بضعة سنوات لذا لم أتمكن من التعرف عليه عندما رأيته قادماً إلى باب قاعة العزاء, في الواقع لم أجد أي صعوبه في التعرف على ملامحه ولكتي لم أتبين من هو هذا الإنسان, أو هذا الشبح؟

الوجه هو نفس الوجه والقوام هو نفس القوام ولكن الروح ... هذه الشخص بدى وكأنه أحد أشباح الزومبي  

رأيته قادماً إلى قاعة عزاء عم جميل جارنا الجميل رحمه الله. عم جميل ذو الوجه البشوش وأحد القلائل الذي لم ينهرنا ويهددنا بتقطيع الكره عندما كنا صغارا. 

وكان هو على النقيض تماماً كان يتوعد كل من حوله بكافة أنواع العقاب إذا تجرأ أي شخص مهما علا قدره أو مكانته أن يعارض رغباته, سواء في مكان صف سيارته المقدس أو في إصدار أي ضوضاء في أوقات نومه التي تتجاوز نصف ساعات اليوم  ولم يسلم منه طفل أو حتى شيخ. كل سكان الحاره قد نابهم يوماً  كثيراً أو قليلاً من شره المستطير.

رأيته قادماً إلى قاعة العزاء وهو يجمع شتات نفسه , حاول صعود درجة الرصيف ولم تسعفه قدميه فمال أحد متلقي العزاء نحوه ومد إليه يداه لكي يتكئ عليها. 

صافح صف متلقين العزاء وهو يجاهد نفسه لكي يتذكر هذه الوجوه,  فهي أيضاً إختلفت كثيراً, لم تعد وجوه ضحايا محتملين لإفترائاته ولشروره, بل أصبحت وجوه لبشر أساء إليهم يوماً وهو الآن في أشد الحاجه لصفحهم.

جلس في أحد أركان القاعه متكوراً على أحد المقاعد وبدت نظراته وكأنها تنظر خلال البشر وليس إليهم. لم يكن ينظر إلى أي شخص ولكنه بدى وكأنه يريح مقلة عينيه في أحد الإتجاهات.

تبدلت نظراته الحاده والتي كانت تتحدي أي شخص على أن يبادله التحديق لمده تتجاوز الثانيه وإلا كان جزاءه التوبيخ بأبشع الألفاظ إلى نظرات بريئه حزينه كنظرات الطفل الذي عوقب بمنع الحلوى عنه بعد العشاء.

تبدلت نبرات صوته الذي كان يملاً الدنيا به صراخاً وضجيجاً إلى نبرات ضعيفه مليئه بالإستعطاف والشجن

لم يلاحظ النادل الذي ذهب إليه عارضاً عليه فنجان القهوه لأنه كان مثبتاً تظراته في العدم.

 وأخذت أتعجب إن للزمن قدره عجيبه على قهر أعتى الرجال